الثلاثاء، 4 أبريل 2017

اختصاص محكمة النقض في حالة وجود حكميين قضائيين نهائيين متناقضين:-

اختصاص محكمة النقض في حالة وجود حكميين قضائيين نهائيين متناقضين:-
3- صدور الحكم على خلاف حكم سابق حائز لقوة الأمر المقضى طبقاً لنص المادة 249 مرافعات فإن للخصوم أن يطعنوا أمام محكمة النقض في أي حكم انتهائي ، أياً كانت المحكمة التي أصدرته ، فصل في نزاع خلافاً لحكم آخر سبق أن صدر بين الخصوم أنفسهم وحاز قوة الأمر المقضي ، وأول ما يلاحظ على هذه الحالة من خصوصية تميزها عن سابقتيها هو أن الطعن بالنقض طبقاً لها يجوز ضد أي حكم يصدر انتهائياً أياً كانت المحكمة التي أصدرته ، ولو كانت محكمة جزئية أو ابتدائية سواء بوصفها محكمة درجة أولى أو محكمة استئنافية .
ومناط تحقق هذه الحالة مرهون بتوافر أربعة شروط هي :
1- وجود حكمين قضائيين متناقضين ويقتضي ذلك أن يكون كلا الحكمين متمتعاً بحجية الأمر المقضي ، وأن يكون صادرين بين نفس الخصوم وفي ذات الموضوع أو اعتمادا على مسألة كلية مشتركة وأن يكون ما قرره أحد الحكمين مناقضاً لما قرره الآخر .
2- أن يكون هذان الحكمان صادرين عن جهة القضاء العادي ، وهذا الشرط غير منصوص عليه في المادة 249 مرافعات ، وإنما هو مستفاد من نصوص قانون المحكمة الدستورية العليا ( رقم 48 لسنة 1979 ) إذ هي تسند الاختصاص بفض التناقض بين حكمين صدر كل منهما عن جهة قضائية مختلفة إلى المحكمة الدستورية العليا (م 25 ، م 32 دستورية).
3- أن يكون الحكم الأول حائزاً لقوة الأمر المقضي (أي غير قابل للطعن عليه بالاستئناف) وقت صدور الحكم الثاني . فلا يشترط أن يكون هذا الحكم قد صدر متمتعاً بهذه القوة ، وإنما يكفي أن يكون قد أصبح كذلك لحظة صدور الحكم الثاني ، وعليه فإن هذا الحكم يمكن أن يكون صادراً من محكمة أول درجة بصفة انتهائية أو أصبح انتهائياً بفوات ميعاد الطعن عليه ، أو من محكمة الدرجة الثانية ، أو من محكمة النقض . كما أن هذا الحكم يمكن أن يكون صادراً من محكمة مدنية أو من محكمة جنائية في الدعوى المدنية التابعة للدعوى الجنائية .
4- أن يكون الحكم الثاني قد صدر انتهائياً ، أياً كانت المحكمة التي أصدرته ، ويعني ذلك أن يكون هذا الحكم قد صدر عن محكمة من محاكم الدرجة الأولى غير قابل للطعن عليه بالاستئناف لأي سبب ، أو عن محكمة من محكام الدرجة الثانية . أما إذا كان هذا الحكم قد صدر ابتدائياً قابلاً للطعن عليه بإحدى طرق الطعن العادية وفوت الخصم على نفسه فرصة سلوك هذا الطريق بعدم تقديم الطعن في الميعاد فإنه لا يجوز له الطعن بالنقض ، ويعد ذلك أيضاً . كما جاء في قضاء لمحكمة النقض أن يكون الحكم الابتدائي قد طعن عليه بالاستئناف ولكن محكمة الاستئناف قضت بسقوط الخصومة في الاستئناف واعتبار الحكم الابتدائي المستأنف ابتدائياً لأن هذا القضاء ليس إلا تقريراً للأثر الذي رتبه المشرع على سقوط الخصومة في الاستئناف في المادة 138 من قانون المرافعات ، فهو ليس قضاء جديداً من محكمة الاستئناف صادراً في موضوع الخصومة ينفتح به باب الطعن بالنقض طبقاً للمادة 249 إذا كان صادراً على خلاف حكم سابق حائزاً لقوة الأمر المقضى .
وجدير بالتأكيد أنه لا يشترط لقبول الطعن بالنقض طبقاً لهذه الحالة أن يكون الحكمان ، الأول والثاني صادرين عن نفس المحكمة ، وإنما يستوي أن يكون الحكم الثاني صادراً عن نفس المحكمة التي أصدرت الحكم الأول أو عن محكمة أخرى .
كما أنه لا يشترط أن يكون الخصوم قد تمسكوا بحجية الحكم الأول أمام المحكمة التي أصدرت الحكم الثاني ، إذ يستوي أن يكون قد دفع بذلك أمام محكمة الموضوع وألا يكون قد دفع به ، كما يستوي أن تكون العناصر الواقعية للحكم قد طرحت على المحكمة التي أصدرت الحكم الثاني أو لم تكن قد طرحت عليها ، إذ أن حجية الأحكام من النظام العام يجب على المحكمة أن تقضي بها من تلقاء نفسها ( م 116 مرافعات ، م 101/2 إثبات ) . كما تجدر ملاحظة أن الحكم الأول يمكن أن يكون قد فصل في المسألة التي فصل فيها الحكم الثاني سواء في منطوقه أو في أسبابه المرتبطة بالمنطوق ارتباطاً وثيقاً متى أمكن اعتبارها قضاء .
كما يجدر بنا التأكيد أخيراً على أنه وإن كان التناقض الذي يفتح باب الطعن بالنقض على النحو السابق . لا يتصور أن يقع بين حكم موضوعي وآخر وقتي ، لا خلاف محل الدعوى في كل من الحكمين ، فإنه يبقى ممكناً أن يقع التناقض بين حكمين وقتيين بما يفتح باب الطعن بالنقض على الحكم الثاني متى توافرت الشروط السابق ذكرها . ذلك أنه بالنظر إلى أن الأحكام الوقتية ( أو المستعجلة ) تتمتع بحجية الأمر المقضي بحيث لا يجوز معاودة النظر فيما فصلت فيه طالما بقيت الظروف التي صدرت فيها دون تغيير ، فإن أي حكم وقتي لاحق ينكر هذه الحجية في ظل نفس الظروف يجوز الطعن فيه بالنقض طبقاً لنص المادة 249 مرافعات .
هذا ولا يترتب على الطعن بالنقض في الحكم الصادر خلافاً لحكم سابق حائز لقوة الأمر طبقاً لنص المادة 249 مرافعات امتداد أثر الطعن إلى الحكم السابق أو اعتباره مطروحاً على محكمة النقض ، مثلما هو الوضع بالنسبة لاستئناف الحكم الذي يصدر خلافاً لحكم سابق غير حائز لقوة الأمر المقضي طبقاً لما تقضي به المادة 222 مرافعات . فمن المقرر أن الطعن لا يشمل إلا الحكم الثاني الذي هو الأحدث في تاريخ صدوره ، أما الحكم الأول فإنه وقد حاز قوة الأمر المقضي قبل صدور الحكم الثاني لا يشمله أثر الطعن ولا يكون لمحكمة النقض أية سلطة بشأنه .
بيد أن بعض الفقه قد خالف هذا المنطق ، فذهب إلى أن الطعن بالنقض طبقاً للمادة 249 على الحكم الثاني يجعل الحكم الأول مطروحاً هو أيضاً على محكمة النقض ، بما يجعل لمحكمة النقض أن تقضي بنقض أي من الحكمين ، الأول والثاني ، والإبقاء على الآخر أو أن تقضي بنقض الحكمين معاً ، بما يجعل لذوي الشأن أن يرفعوا النزاع مرة أخرى وبطريقة صحيحة إلى محكمة الموضوع إذا كان ذلك ممكناً ، وذلك قياساً على ما تقرره المادة 222 من أن استئناف الحكم الثاني يجعل الحكم السابق مستأنفاً تبعاً له بقوة القانون .

وفيما نعتقد فإن هذا الرأي لا يمكن التسليم به ، لأن القياس الذي اعتمد عليه هو قياس مع الفارق . ذلك أنه في حالة الطعن بالإستئناف على حكم لصدوره مخالفاً لحكم السابق تشترط المادة 222 حتى يصبح الحكم السابق مستأنفاً بقوة القانون تبعاً لإستئناف الحكم الثاني ألا يكون الحكم السابق قد حاز قوة الأمر المقضي عند رفع الاستئناف عن الحكم الثاني . فإذا كان الحكم السابق قد حاز قوة الأمر المقضي عند استئناف الحكم الثاني ( بعد أن كان غير حائز لها عند صدوره ) فإن هذا الاستئناف لا يشمله ، ولا يكون أمام محكمة الاستئناف إلا إلغاء الحكم الثاني أو تعديله وفق مقتضى الحكم الأول ، ولما كان الطعن طبقاً للمادة 249 لا يكون إلا حالة كون الحكم الأول حائزاً لقوة الأمر المقضي لحظة صدور الحكم الثاني ، فإنه لن يكون بالإمكان اعتبار الحكم الأول مطروحاً على محكمة النقض تبعاً للطعن على الحكم الثاني .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق